أهمية ترسيخ مبادئ التسامح في المجتمع العراقي

الاستاذ المساعد عبدالحليم عبدالحافظ خالد

مركز دراسات البصرة والخليج العربي

      باستقراء تاريخ المجتمع العراقي نجد أفراده يمتازون بالتعايش السلمي, رغم التنوع العرقي والقومي والديني والثقافي, لكن بسبب الحروب والحصار الاقتصادي وإسقاط النظام البعثي عام2003 م, قد استغلت الهويات الفرعية سياسياً, لتحقيق مكاسب طائفية أو حزبية أو شخصية, لاسيما بعد تفجير ضريحيّ الامام علي الهادي والحسن العسكري ( عليهما السلام ) في مدينة سامراء بتاريخ 22/2 /2006 م , الذي اشعل فتيلة الصراعات المذهبية والفتنة الطائفية التي أخذت تحصد الأنفس وتدمر البنى التحتية وتشغل الدولة والمجتمع بمؤسساته عن البناء والتطور والازدهار, بل أصبحت أجهزة الأمن والدفاع عاجزة عن تحقيق الأمن والاستقرار وحماية الحدود مما جعل العراق بيئة خصبة للإرهابيين في تحقيق أحلامهم العدوانية ضد الأنسانية, لاسيما بعد سيطرة تنظيم داعش الارهابي على محافظة الموصل بتاريخ 10/6/ 2014 م , وامتداده إلى المحافظات المجاورة لها وما خلفه من قتل وتهجير وتدمير للمعالم الحضارية واستباحة النساء وتمزيق للروابط الاجتماعية, وبعد تحرير المحافظات العراقية من سيطرة داعش وتحقيق الأمن الاستقرار النسبي, لابد من اعادة بناء المنظومة الاجتماعية التي تصدعت, والتي من أهم عواملها نشر وترسيخ ثقافة التسامح بين أفراد المجتمع .                                                                                                                         

      والتسامح في المفهوم الحضاري الإسلامي هو الاعتدال في خطاب الآخرين والتعامل معهم نظريا وعمليا على اساس منهج موضوعي مرن , دون ضرر ولا ضرار , ودون انتظار مقابل أو جزاء.

      وغايته الانفتاح على الآخر, وإشاعة الخير والمعروف, ونشر ثقافة الحوار, ونبذ التعصب والصراع, واحترام كرامة الإنسان, والحرص على توفير الأمن والسلام, والحب والعطاء, والعيش الودي المشترك بين الأديان والمذاهب, وزرع الثقة والطمأنينة بين أفراد المجتمع الواحد أو المجتمعات المتباينة في الأفكار والمعتقدات .

      لهذا أكدت الشريعة الإسلامية مظاهر التسامح كالاخاء الإنساني والاعتراف بالآخر واحترامه, وهو ما أكده الرسول  ( صلى الله عليه واله وسلم ) في تعامله مع الاخر بكل ما استطاع من وسائل , ويمكن ان نأخذ من عمله مظهرين أساسيين في ترسيخ مفهوم التسامح لتوحيد أفراد المجتمع وإقامة  الدولة الأسلامية في المدينة وهما :                                                                                             

  1. مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار, وإزاحة الخلافات والنعرات بين الأوس والخزرج, حيث أشاع مفهوم التسامح وطرح العصبية الجاهلية التي كانت تفرق بينهم على أساس قبلي .    
  2. ادخاله عليه الصلاة والسلام في عقد الدولة الإسلامية غير المسلمين من يهود المدينة, وجعلهم ضمن الأمة الواحدة مع احترام رغبتهم فيما يدينون وتركهم عليه . 

      ومن صور التسامح الأخرى في معاملة الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) حين فتح مكة قال : يا معشر قريش ماذا ترون إني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا , أخ كريم وابن أخ كريم . فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء  .

      ثم إن الناس اجتمعوا بمكة لمبايعة رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) على السمع والطاعة لله ورسوله , فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء , وكان من بينهم هند بنت عتبة منقبة متنكرة لما كان من صنيعها بحمزة ( رضي الله عنه )  فقال عليه الصلاة والسلام : انك لهند بنت عتبة , فقالت : أنا هند بنت عتبة , فعف عما سلف عفا الله عنك , فعفا عنها وقبل توبتها وبيعتها . 

      وان فضالة بن عمير الليثي أراد قتل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يطوف بالبيت عام الفتح , فلما دنا منه قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فضالة ؟ قال نعم , فضالة يا رسول الله , قال : ماذا كنت تحدث به نفسك ؟ قال : لاشيئ , كنت أذكر الله , فضحك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) , ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه , فكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيئ أحب إليّ منه .

       والسبب في هذا النمط من التعامل مع الآخر القائم على التسامح لأنهم شركاء في الأرض والقومية واللغه وإن اختلفوا معه في بادئ الأمر في العقيدة والرؤية, وانطلق تعامله على مبدأ اصيل كان يدعوا به : ( أنا شهيد ان العباد كلهم أخوة ) , لأنهم يشتركون جميعا في أن لهم أبا واحدا , فهم يسميهم القرآن بنو آدم , وهم يشتركون جميعا كذلك في أن لهم ربا واحدا , وأنهم مهما اختلفوا فان ربوبية الله تجمع بينهم , فهذا المبدأ النبوي ما أحوجنا إليه في المجتمع العراقي, القائم على التسامح ونبذ الخلافات الدينية والقومية والحزبية والعشائرية, لما له من آثار ايجابية يمكن أن نذكر أهمها :

  1. تعزيز العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع وتوثيقها وزيادة قوتها .
  2. الحد من وقوع الخلافات والنزاعات الدينية والقومية والحزبية والعشائرية التي تؤدي الى زعزعة أمن المجتمع وانهيار قوته .
  3. توجه افراد المجتمع نحو الخير والبناء والتطور والازدهار والاستقرار .
  4.  تصالح المجتمع مع غيره من المجتمعات المحيطة به في الدول الأخرى , وبناء علاقات اجتماعية واقتصادية وعلمية وثقافية معهم .

      وهناك مقترحات يمكن أن تكون لها الأثر الطيب في دعم وترسيخ مفهوم التسامح في نفوس أبناء المجتمع العراقي وهي :

  1. الحوار بين زعماء ووجهاء مكونات المجتمع العراقي, لحل الخلافات بين أفراد المجتمع ومنع تدخل البعض في شؤون الآخرين , وخلق مصالح مشتركة تؤكد الثقة والتسامح والتعاون والوحدة بينهم .
  2. منع كل الحملات الإعلامية بصورة قطعية سواء كانت رسمية أو حزبية أو دعوية أو خطابية التي تعمل على التضليل والعنف والإرهاب , لمنع إثارة الفتنة , ومحاسبة القائمين على ذلك قانونيا .
  3. منع نشر كل ما يسىئ للتاريخ الإسلامي, ويجدد شبح المنازعات والصراعات بين أفراد المجتمع العراقي بسب أحداث التاريخ القديم , لأن إثارة هذة الأحداث تجدد العنف والبغضاء بين أفراد المجتمع العراقي .
  4. إقامة نشاطات علمية وثقافية تغرس في نفوس أفراد المجتمع معاني التسامح التي أكدت على تحقيقها الشريعة الاسلامية بين أفرادالمجتمع الإسلامي .
  5. تأكيد التسامح في مناهج التربية والتعليم ليكون النشئ الجديد لأبناء المجتمع أكثر مناعة من داء الأحقاد الدينية والقومية والحزبية والعشائرية, لأن هذه الأحقاد تهدم ولا تبني ولا تخدم إلا أعداء العراق .