دور بريطانيا في تطوير ميناء البصرة: مقدمة عن دور جورج بوكانان
الاستاذ المساعد الدكتور فراقد داود سلمان الشلال
مركز دراسات البصرة والخليج العربي
وقعت البصرة كغيرها من مدن العراق تحت الاحتلال البريطاني عام 1914, وأصبحت مقدراتها تحت إدارة الاحتلال, ومع ازدياد الوجود البريطاني العسكري, وقلة المعدات الفنية اللازمة لتفريغ الأسلحة من السفن البريطانية, أصاب سير العمليات العسكرية التأخير والتلكؤ، لذلك جاءت زيارة نائب الملك البريطاني اللورد هاردنكHardding للبصرة في شباط 1915م للإطلاع على سير العمليات العسكرية, ومعالجة المشكلات, التي تُعاني منها القوات العسكرية البريطانية، وكانت من أبرز تلك المشكلات هي الإرباك في تعبئة القاعدة الحربية، واثناء وجود هاردنك حدثت الفيضانات على ضفتي شط العرب مما اضطر القوات البريطانية إلى الانسحاب من القرنة إلى المعقل.
من ثمّ جرى الاتفاق على ضرورة فتح قسم تابع للنقل المائي الداخلي للسيطرة على عمليات التفريغ, لأن عمليات الشحن والتفريغ كانت في العهد العثماني تتم في عرض شط العرب، ولقد سمي بقسم ادارة الميناء وتولى هاملتونHamilton ادارة هذا القسم, إلا أنهُ لعدم خبرته الكافية في تنظيم إدارة الميناء اقترح لرئاسة هذا القسم أحد المهندسين المدنيين بدلاً عنه, ألا وهو جورج بوكانانGeorg Buchnan.
يُعد بوكانان من المختصين بأعمال الموانئ في بورما وبومباي خلال السنوات الأولى من القرن العشرين, وقد برز بوكانان, لأول مرة في عام 1905 عندما تعاون مع باتريك ميكBatrek Meek في تصميمات أعمال نهر رانغون في بورما, حيث كان الأخير مساعداً خاصاً له في شؤون هندسة الموانئ. وفي 31 كانون الاول1915 وصل بوكانان إلى البصرة وبالرغم مما أبداه من خبرة في الأعمال الموكلة إليه إلا أنه واجه بعض الصعوبات منها الخلاف بين عقلية الأول المدنية والجنرال جون نوكس العسكرية وأساس خلافهما كان حول هور الحمار وحفر قناة فيه، فقد كان يرى بوكانان أن مد سكة حديد من البصرة إلى الناصرية تعود لما لهذه السكة من أهمية عسكرية وتجارية للقوات البريطانية بينما رأى نوكس أن مد هذا الخط ليس له أية فائدة عسكرية لوجود بعض المخاطر الناجمة عن هجمات الاتراك وسيكون استخدامه تجارياً فقط .
لقد حاول بوكانان الاستفسار من وزير المالية وليم ديليWilliam Deili عن امتناعه عن المصادقة على هذا المشروع فأخبره الوزير أن هذا المشروع وضع تحت الأعمال التجارية, ولم يوضع تحت الأمور العسكرية, لذلك لم تصادق عليه حكومة الهند وقد حاول نوكس التقليل من شأن بوكانان ومن مهامه في تطوير ميناء المعقل خلال مقابلته لبوكانان في كانون الاول 1916 من خلال القول الاستفهامي: ما المقصود بمسؤول ميناء؟ وهل في البصرة ميناء يستحق هذا المنصب؟ ويبدو أن الهدف من إثارة هذه الأسئلة هو التقليل من حماس بوكانان في تنفيذ مشاريعه.
وبعد ازدياد أعداد السفن الوافدة الى البصرة خلال اذار 1916, إذ رست 40 سفينة في المعقل و30 سفينة في شط العرب و100 زورق قرب نهر السراجي، فضلاً عن محاصرة الجيوش العثمانية للقوات البريطانية في الكوت مما استدعى الإسراع بعملية إمداد القوات البريطانية بالمعدات العسكرية بالسرعة الممكنة, فضلاً عن تنحية نوكس واحلال بيرس ليكBears leek بدلاً عنه والذي كان اكثر استجابة لمطالب بوكانان. وبعد المناقشات التي دارت بين القائد باريت والعميد مكمون المفتش العام للمواصلات وبعد موافقة حكومة الهند صدر أمراً عسكرياً بتعيين جورج بوكانان مديراً عاماً للميناء في 10 ايار 1916, وبموجب هذا الأمر تم تقسيم أعمال الميناء على ثلاثة اقسام:
1-قسم السيطرة البحرية ويدار هذا القسم بإشراف ادارة الميناء ومهمته السيطرة على حركة البواخر فضلاً عن نصب العوامات والفنارات.
2-إدارة النقل ويقع تحت إدارة مدير النقل ومهمته السيطرة على عمليات الشحن والتفريغ والسيطرة على جميع الزوارق التابعة لإدارة الميناء.
3-أعمال الميناء وكانت تحت اشراف مهندس الميناء ومهمة هذا القسم بناء الأرصفة والمراسي والمرافئ.
وبدأت إدارة الميناء كخطوة أولى في تطوير الميناء القيام باستصلاح الأراضي في منطقة المعقل التي كانت عبارة عن مستنقع يكثر فيه النخيل وتتخلله الكثير من الجداول والقنوات فقامت بتعلية الارض فوق مستوى الفيضان بواسطة كراكة صغيرة وبعد تسوية الارض جاءت عملية تسوية الارض وانشاء أرصفة من الخشب الساج الذي جلب من بورما وبعد اكمال انشاء الأرصفة تم استخدام الرافعات الكهربائية للإسراع في عمليات التفريغ هذه, فضلاً عن الرافعات اليدوية.
وفي كانون الاول 1916 أسس البريطانيون مرسى في القرنة لتجاوز بناء جسر حديد على نهر القرنة ولمد سكة الحديد إلى العمارة, وجعل القرنة قاعدة لأعمال الحفر في هور الحمار ولكن بوكانان عمل على تطوير ميناء البصرة, إذ اصدر تقريرين رفعهما إلى حكومة الهند, الأول كان عن امكانية الحفاظ على مياه شط العرب من مياه الفيضان في المنطقة الواقعة من ميناء البصرة الى الخليج العربي، والثاني كان خاص بتطوير ميناء البصرة, وقد استغرق في اعداد هذين التقريرين ثمانية أشهر للمدة من آذار - تشرين الأول من عام 1917، اشتمل التقرير الأول على الأمور الآتية, وقدم وصف عام لشط العرب من حيث خصائصه الفيزيائية، وعوائق الملاحة والانارة والطرقات والإرشاد البحري والأمور المالية، في حين جاء التقرير الثاني مركزاً على تجارة الاستيراد والتصدير الداخلية والخارجية فضلاً عن جباية الضرائب من البضائع الخارجية وامكانية تطوير التجارة مع ايران.
ولغرض توسيع مرافئ الميناء عمل بوكانان في حزيران 1917على انشاء مرسى صغير في منطقة نهر عمر، لتخفيف الضغط على ميناء المعقل حيث انشئ في هذه المنطقة رصيفان عائمان في وسط نهر شط العرب، وفي آب من العام نفسه, انشأت إدارة الميناء مراسىى أخرى مؤقتة في الجبيلة وقرب دائرة الكمارك وفي جزيرة السندباد, ولاحظت إدارة بوكانان أن الزورق المحلي غير مناسب للتوسع والتطور الحاصل في الميناء فأستقدم من بريطانيا عدد من السفن مثل سفينة اندستريIndustry ، وهارمك Harmak ، وهيلينHelen ، وبهلونPahlwan، وهوك Hawkوبيكي Peggy، وسفن اخرى.
ولغرض تنظيم دخول البواخر بعد زيادة حركة السفن في شط العرب قام ادارة الميناء بوضع الانوار والعوامات المعدنية المضيئة. ونتيجة التوسع بأعمال الميناء اصبح في خلال ادارة بوكانان نهاية عام 1917بإمكان اربع عشر سفينة من الرسو في الميناء وتفريغ حمولتهم في غضون ثلاث ايام كما تم اجراء التحسينات على الجهاز الإداري والتنظيمي. وبذلك تمكن بوكانان من ان يضع اللبنة الاولى لتطوير ميناء البصرة.
مصادر المقال:
1-عبد المجيد حسن الغزالي, مقتطفات من تاريخ البصرة الموسوعي(امارة وتجارة), بغداد, 1941 .
2-مجلة التاجر, البصرة, العدد 123, 1967, (لمحات من ميناء البصرة) .
3-طالب جاسم الغريب, ميناء البصرة دراسة تاريخية 1915-1956م, رسالة ماجستير غير منشورة, كلية الاداب, جامعة البصرة, 1984 .