الآثار السلبية لانهيار أسعار النفط على الاقتصاد العراقي في العام 2020م

الآثار السلبية  لانهيار أسعار النفط  على الاقتصاد العراقي في العام 2020م

      الاستاذ المساعد  باسمه كزار حسن

  مركز دراسات البصرة والخليج العربي

 

    واجه العراق تحدياً خطيراً تمثل في الحد من اعتماده على النفط، فمع الهبوط المفاجئ الذي شهدته أسعار النفط في العام 2020، انعكست بشكل سلبي على الاقتصاد العراقي, فالجدير بالذكر ان العراق تعرض الى  صدمتين كبيرتين قادتا العراق لوضع لم يسبق له مثيل في تاريخه الحديث والمعاصر، أما الصدمة الأولى تمثلت بما حدث في اذار سنة 2020 وما بعده من انتشار فيروس كورونا (كوفيد – 19) مما ادى إلى تدهور الطلب العالمي( 30 مليون برميل يومياً) بسبب زيادة المعروض النفطي وانخفاض الطلب كنتيجة لحالة الكساد, إذ وافقت الحكومة العراقية على توصية المجلس الوزاري للطاقة رقم 39 لسنة 2020 والمتضمنة محضر اتفاق منظمة البلدان المصدرة للبترول ( اوبك ) ومجموعة( اوبك بلس) على خفض إنتاج النفط والتزام العراق بتخفيض حصته من إنتاج النفط بضمنها إنتاج إقليم كردستان

    ومن ثم, زاد هذا الأمر من انخفاض عائدات العراق, اذ بلغت العائدات فقط مليار و 423 مليون دولار نهاية شهر الرابع في حين كانت اكثر من 6 مليار في شهر كانون الثاني.

   والصدمة الثانية تمثلت بانهيار أسعار النفط واستمرار انخفاضها، علما بأنّ مثل هذا التزامن قلّ أن يحصل في العالم. وسوف نعرض هذه الصدمة وكيف انعكست على الاقتصاد العراقي وقادته لأزمة مالية واقتصادية.

1- الصادرات والتغيرات في أسعار النفط

هيمنة الصادرات النفطية على النشاط التصديري، فقد تجاوزت الصادرات النفطية 98% من مجموع الصادرات، أما باقي الصادرات التي لا تشكل إلا مبلغا صغيرا لا يكاد يذكر, وتكمن وراء ذلك دلالات اقتصادية عميقة أهمها إن الاقتصاد العراقي بات دالة لسوق النفط.

2-الايرادات العامة والتغيرات في أسعار النفط

بما إن الاقتصاد العراقي يعتمد على ايرادات تصدير النفط في تمويل الموازنة العامة للدولة بنسب تتجاوز 90%، إذ يصدر حوالي (3.4) مليون برميل يومياً، وتشكل صادرات النفط حوالي (99%) من الصادرات الكلية بإيرادات تجاوزت (6) مليار دولار خلال شهر كانون الثاني / يناير 2020. 

لقد بلغت كمية الصادرات من النفط الخام (99,585.283) برميلاً لشهر ايار، وكان مجموع واردات شهر آيار (2,091,811,121,96) دولاراً تقريباً, وإن المعدل اليومي الكلي للصادرات بلغ (3,319,516,1) برميلاً، ومعدل سعر البرميل الواحد بلغ (21.005) دولاراً لشهر آيار قبل بدأ التزام العراق بتخفيض صادراته بعد الاتفاق مع (أوبك +) والذي يقضي بأن يخفض العراق ما نسبته (22.8%) الى منتصف 2020, كان معدل صادرات العراق اقل بـ (22,800000) برميلاً أي ما يساوي (76.785.283) برميلاً وإذا اخذنا نفس سعر البرميل (21.005) دولاراً فان واردات العراق كانت (1.238.451.000) دولاراً تقريباً.

3-الموازنة العامة المتفاقمة(2020) والتغيرات في أسعار النفط

بناءه  على ما تقدم، تسبب انخفاض اسعار النفط من مستوى (60) الى مستوى (20) دولار للبرميل بخسارة الموازنة العامة للعراق حوالي (4) مليار دولار خلال شهر اذار / مارس 2020 (فقدت الاسعار ثلثي قيمتها) الأمر الذي يسلط الضوء على ازمة الموازنة العامة المتفاقمة لعام 2020.

4- الناتج المحلي الإجمالي والتغيرات في أسعار النفط

 انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لغاية 2020 ليصل إلى 6922 دولار قياسا لما شهد نموا مطردا للسنوات 2004 ولغاية 2013

الاقتصاد العراقي  والسيناريوهات المتوقعة :

على الرغم من أن التأثير قصير المدى للأزمة يعد كبيراً، فإن التأثير المباشر على المدى الطويل يمكن أن يكون أكثر تأثيرا على  الاقتصاد العراقي . وسنستعرض هذه الآثار على النحو الاتي :

  1. الموازنة العامة :

ففي النصف من العام 2020 التزم العراق بتخفيض صادراته النفطية بنسبة (18%) أي (85,144,911) مليون برميلاً، أي ما يساوي (103,144,911) برميلاً لشهر نيسان ، وإذا اخذنا نفس سعر البرميل (47) دولاراً فان واردات العراق كانت (3,334,811,000) دولاراً تقريباً. وعند احتساب النصف الثاني من السنة 2020 معنى ذلك ان واردات العراق النفطية كانت (20.955.000.000) دولاراً تقريباً، وهي غير كافية حتى لتغطية الرواتب التي وصلت في موازنة 2020 الى نحو 45 مليار دولار. علما ان  موازنة 2019 لسنة مالية تساوي رواتب المتقاعدين من المدنيين والعسكريين (9.316.652.417.000) ديناراً عراقياً، ورواتب الموظفين تساوي (43.404.629.267.000) ديناراً عراقياً ومجموع الرواتب السنوي لعام 2019 كان ما مقداره (52.721.281.684.000) ديناراً عراقياً مما يعني ان العراق يحتاج شهرياً الى (4.393.440.140.000) ديناراً عراقياً.

واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان تصريف الدينار العراقي حينها قد كان 1200 دينار لكل دولار يعني ان العراق احتاج شهريا الى (3.660.000.000) دولاراً تقريباً، بينما الناتج المحلي للعراق هو (1.100.000.000) دولاراً تقريباً لشهر ايار و(1.400.000.000) دولاراً تقريباً للأشهر الاخرى فالعراق احتاج الى عجز (2.5) مليار دولار تقريباً شهرياً لكي يغطي نفقات الرواتب الشهرية فقط، واما بقية النفقات التشغيلية فالأمر يواجه صعوبة بالغة، فالعراق كان قد بنى موازنته لعام 2019 على 120 مليار دولار تقريباً واكثر من ( 78% ) منها نفقات تشغيلية مما يعني ان هذه النفقات مستمرة ويحتاجها العراق فكيف يمكن لدولة تتطلب نفقاتها التشغيلية 93 مليار دولار بينما وارداتها لا تتجاوز 15 مليار دولار بفارق يتجاوز 75 مليار دولار. انهيار الأسعار واستمرها بالانخفاض تعد بمثابة صدمة كبيرة على الاقتصاد العراقي، والتي بدأت تداعياتها تظهر في سنة 2020. والجدير بالذكر ان  الإجراءات والتدابير الوقائية الاحترازية التي اتخذها العراق لمكافحة فيروس كورونا (كوفيد – 19) ادت إلى زيادة النفقات العامة, فكان العراق أمام حالتين: الحالة الأولى إيرادات متذبذبة والتزامات ومستحقات ثابتة فيقود لعجز في الموازنة والحالة الثانية  تراكم العجز ليقود لمشكلة سيولة تتمثل بعدم قدرة العراق على سداد التزاماته ومستحقاته يوما بيوم وشهر بشهر وسنة بسنة.

2- الدين الحكومي

نتيجة لتكلفة انخفاض اسعار النفط على الخزينة العامة العراقية والتي تعاني أصلاً من الارتفاع الملحوظ والكبير في عجز الموازنة العامة، لجات الحكومة العراقية إلى الاقتراض الخارجي والمحلي لتغطية نفقاتها .فعملت على  تمويل العجز في الحسابات من خلال زيادة التمويل النقدي غير المباشر من قبل البنك المركزي العراقي واعتماد السحب من الاحتياطي المالي والاقتراض المحلي والخارجي.

وبلغ مجموع الدين العام حدا كبيرا ليصل إلى ما يزيد عن 181 مليار دولار، وقد بلغت نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 61 % في سنة 2019 بعد ان كانت النسبة 55% في سنة 2015 بينما الدين الفعلي بلغ 55,448  مليار دولار لغاية شهر كانون الاول 2019 , فارتفع إلى نسبة أعلى في سنة 2020 . 

 فكانت هناك جهودا ومحاولات للعمل على زيادة مصادر التمويل وأول تلك الجهود تمثلت بالاقتراض من المصارف الحكومية التي تلقى الدعم والمساندة من البنك المركزي، وذلك بخصم سندات تقارب نسبتها 9%من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2020، وتركز الحكومة باتجاهات أخرى منها سحب مبلغ 830 مليون دولار من حصة العراق من حقوق السحب الخاصة،وقد ساهم البنك الدولي بما قيمته 350 مليون دولار بصيغة قرض طارئ ضمن صفقة قروض تتراوح بين مليار – مليار ونصف دولار،

3- الرصيد من العملات الأجنبية

ان ما واجهته الحكومة في حينها تمثل بعدم قدرتها على سداد الالتزامات بسبب قلة النقد المتاح، وفي ظل توفر النقد الأجنبي (الدولار) تمكنت الحكومة أن تبيع المزيد من الدولارات للحصول على النقد لسداد التزاماتها،. انخفاض الرصيد من العملات الأجنبية في البنك المركزي، في العراق الفعلية والمتوقعة اعتبارا من سنة 2013 (77.8) , ومن ثم انخفضت الى 35 في العام 2019 وما وصلت في النصف الثاني  لعام 2020 نحو 31, انخفض في العام 2021 نتيجة لانهيار اسعار النفط , لجأت  الحكومة بالاعتماد على الدين العام في تمويل موازنتها التشغيلية نتيجة الأزمة التي عانت منها وكان هناك نمو كبير في حجم الدين العام الأجنبي والمحلي .

4- القطاع الخاص

إن الأثر الأولي الذي ترتب على الانخفاض الكبير في الإيرادات النفطية هو انخفاض الإنفاق الحكومي الذي يؤدي إلى انخفاض في الطلب و الدخل قاد إلى انخفاض الطلب على النقود ومن ثم انخفاض سعر الفائدة الذي يشهد تراجعا في إنفاق القطاع الخاص الاستثماري (يشغل 4 ملايين) نتيجة انخفاض أسعار الفائدة .

5- الفقر :

ان الاثار الاقتصادية لانهيار وتراجع اسعار لم تقتصر على توقف الاعمال والبطالة، لأن فقدان مصادر الدخل لملايين من الناس يمكن أن يتضمن تداعيات كارثية على الفئات الهشة والفقيرة،

وبالنسبة للعاملين في القطاع العام، ادى الادخار الاجباري الى تخفيض قيم دخولهم المتاحة، ارتفعت نسب البطالة والفقر فمثلا تجاوزت نسبة الفقر 23% وكذلك نسبة البطالة في القوة العاملة العراقية فقد تجاوزت 40% .

أما بالنسبة للقوى العاملة في القطاع الخاص، والتي تشكل حوالي (10-15%) من مجموع القوى العاملة، الامر الذي حد من قدرتهم من الحصول على الغذاء والدواء والخدمات الضرورية، وأدى بالتالي الى دفعهم الى دون مستوى خط الفقر، هذا دون حساب تأثيرات الادخار الاجباري على دخولهم في حال تم تطبيقه.

بلغت نسبة إجمالي تكوين رأس المال الثابت للقطاع الخاص 55,56% عام 2019 , ينخفض اذا ما استمر انخفاض اسعار النفط .

وبالتالي سوف يرتفع معدل البطالة عن مستواه الحالي في العراق واتساع دائرة الفقر، وزيادة الضغط المالي على الحكومة العراقية وإحراجها مع العمال خاصة وأنه يقع على عاتقها توفير مصدر دخل يؤمن لهم على الأقل المستلزمات الأساسية للحياة.

6- الصحة والتعليم :

   ان التدني الكبير في مؤشرات نوعية الحياة في العراق وهذا ما أشرته العديد من التقارير ومنها تدني مقومات صحة الفرد وتوفر الخدمات الأساسية وحالات سوء التغذية وحماية البيئة وتفاقم ظاهرة التلوث بكل أشكاله وتصحر الأراضي الزراعية وزيادة كبيرة في ملوحة المياه العذبة وشحتها، تعد مؤشرات إنذار لتبني أهداف وسياسات واضحة في الأجلين القصير والطويل .

7- النزوح والتشرد والهجرة:

    وهذا ما يوصف به المجتمع العراقي في السنوات الماضية، ويضع على الحكومة تبعات اقتصادية كبيرة، وإنّ هناك ضغوطا داخلية وخارجية ستفرض لحاجة تلك الفئات من البشر لتلبية تطلعاتهم وأساسياتهم وهم في الوقت نفسه شكلو تهديداً مضاعفا مستقبلا.

 

    من خلال قراءة التأثيرات لانخفاض اسعار النفط  على الاقتصاد العراقي, تبين أن التأثيرات الاقتصادية السلبية المحتملة كانت أكبر وأعمق من التأثيرات الحالية وتهدد قدرة الاقتصاد العراقي على الصمود في حال استمر النفط بالانخفاض فترة طويلة. ومن الواضح أن مخاطر انخفاض اسعار كان أكثر حدة وفتكاً بالاقتصاد العراقي، وتأتي الازمة الاقتصادية مع فقدان صناديق الاستثمار السيادية على الرغم من ان العراق يمتلك ثروات هائلة في مجالات أخرى: صناعية وزراعية وسياحية وموقع جغرافي متميز وغيرها تمكنه من التحول الى الاقتصاد المتنوع .